mouchmabir1 منتدى الابداع و التميز
عدد الرسائل : 785 نقاط التميز : 500 عارضة الطاقة : نقاط : 820 السٌّمعَة : 4 تاريخ التسجيل : 24/09/2008
| موضوع: مفهوم السعادة الإثنين 26 يناير 2009, 12:50 | |
| الطرح الإشكالي يقول الفارابي: "أما أن السعادة هي غاية مايتشوقها كل إنسان، وأن كل من ينحو بسعيه نحوها فإنما ينحو على أنها كمال أقصى، فدلك لايحتاج في بيانه إلى قول إد كان في غاية الشهرة. » ويلاحظ أرسطو من جهته أن "عامة الناس وحكماءهم يتفقون على جعل السعادة الهدف الأسمى المنشود، لكن الآراء تختلف حالما يتعلق تأمر بتحديد طبيعة السعادة " . وبالفعل، فالكل يكد ويسعى لإمتلاك الأموال والثروات وتلبية كامل الرغبات واختبار ألوان المتع واستبعاد مسببات الألم والحرمان... إن هدا البحث المحموم عن السعادة قد يمنع من التفكير المتأني في طبيعة السعادة نفسها، وفي حقيقة وجودها وفي سبل بلوغها والجهد اللازم لنيلها. والفيلسوف يشاطر إنسان الحياة اليومية بحثه وشوقه إلى السعادة، لكن بحث الأول يتميز بنوع من المنهجية والنظرة المتأنية الفاحصة: إذ لايتعلق الأمر بإفراغ الجهد في الجري وراء السعادة، بل في صرفه أولا في تحديد شروطها وطبيعتها بما يتلاءم مع طبيعة الإنسان نفسه. وبعبارة أخرى لابد من معرفة السعادة وتعريفها أولا. فمن وجهة نظر فلسفية عامة: « السعادة هي حالة إرضاء وإشباع وارتياح تام للدات يتميز بالثبات والقوة... » والسؤال المطروح هنا هو: مالذي عساه يحقق مثل هذا إشباعا وارتياحا تاما يتميز بالقوة والثبات؟ ماهو الجانب الأساسي في الإنسان والذي يتعين أن نبحث له عن إشباع وارضاء وارتياح ؟ هل ستكون هذه السعادة من طبيعة حسية أم عقلية أم وجدانية؟ هل هي دائمة مستمرة أم لحظية بطبيعتها؟ هل تتحقق في اكتفاء الفرد بذاته واستغنائه عن غيره، أم انها رهينة بالاجتماع الملائم؟ السعادة بين البدن والعقل والقلب السعادة واللذ ة الحسية تقترنالسعادة بالفرح والإشباع والسكينة بالتعارض مع التعاسة التي تقترن بالكربوالحرمان والحيرة، فما الذي يمكنه أن يدفع هذه ويجلب تلك؟ أول الأجوبة يقدمها لنا دعاة مذهب اللذة: فإذا كان نشدان اللذة واجتنابالألم هو الغاية الأولى والأخيرة من وجود الإنسان، فإن اللذة تغدو بدون شكمعيارا تابثا لمختلف القيم بما في ذلك قيمة السعادة. لذلك لايرى أرستيبوسمبررا للخجل من البحث عن السعادة انطلاقا من البحث عن اللذة، فبقدر ازديادعدد اللذات تزداد خبرتنا بالسعادة ومن ثم ينبغي اغتنام الفرصة لإقتناصأكبر عدد من اللذات الحاضرة دون تمييز أو مفاضلة. ولكي لاتتحول لذاتالإنسان السعيد إلى آلام، عليه الإعتدال في تحصيل اللذات دون إفراط يقلبهاآلاما، والإكتفاء بطلب اللذات الحاضرة فلا يعلق آماله على لذات لم تحضربعد: إذ لايشقي الإنسان غير التطلع المستمر إلى الآتي. السعادة والعقل لميجد الموقف السابق صدى واسعا بين فلاسفة الإسلام، وماذلك إلا لآن الإسلاملايعد كل اللذات خيرا مرغوبا، ولا كل الآلام شرا مكروها؛ على النقيض مماسبق، يذهب أكثر فلاسفة الإسلام إلى أن السعادة إنما تنال بالعقل حين يرتقيفي معرفة نظام الوجود وصولا إلى معرفة الحق(الله). وفي هذا الصدديعتبرالرازي اللذات العقلية أشرف من اللذة الحسية لإختصاص الإنسان بلأولى،واشتراكه في الثانية مع الحيوان الذي يتفوق عليه في قوة تحصيل بعضها؛ ثمإن الإفراط في تحصيل بعضها يفضي إلى نقيضها وهي الآلام. بل إن حقيقة اللذةالحسية أنها ليست في الحقيقة لذة بل دفعا للألم والحاجة،لذلك يكون التلذذبالأكل أقوى على قدر شدة الجوع الذي سبقه. كما تنتفي قيمتها بمجردإشباعها. مما حذا بشوبنهاور - ضمن سياق فلسفي آخر - إلى وصف حياة الإنسانبساعة يتأرجح نواسها بين الحاجة والملل. لهذه الأسباب فإن السعادة التامة إنما تكون من طبيعة عقلية تختص بها النفس(العارفة) دون البدن، ولما كانت فضيلة النفس تكمن في تحصيل العلوموالفضائل الأخلاقية، تغدو السعادة مرادفة للكمالين النظري والعملي. فأماالكمال النظري فهو الترقي في العلم بالموجودات حتى يصدق النظر وتصحالبصيرة فلا يغلط المرء في اعتقاد ولايشك في حقيقة؛ أما الكمال العملي فهوترتيب الأفعال والسلوك على مقتضى مانتهى إليه النظر العقلي. ولما كانالعقل الإلاهي جامع المعرفة الحقة المطلقة، فالسعادة والكمال يتمانباتحادالعقل الإنساني بالعقل الإلاهي والإستمداد من فيض علمه. ومتى أحاطتالنفس بكليات الموجودات ونظام الوجود، صارت عالما معقولا صغيراموازياللعالم الموجود كله. وفي هذه المرتبة تكون النفس قد انفكت عن أغلالالجسد ومايجلبه من ألم مما يحصل وحسرة على مافات وجزع مما هو آت. إذ لايقعمن الحوادث شيئا إلا وفق نظام الكون وقوانينه السرمدية. ومتى بلغ الإنسانذلك فقد بلغ آخر السعادات وأقصاها، لايبالي فراق الأحباب في الدنياولايتحسر على مايفوته من التنعم فيها، مسرورا أبدا بذاته مغتبطا بحالهوبما يحصل له من فيض نور الحق. نخلص مما سبق ان الشقاء عند الفلاسفة مصدره الجهل او العلم المغلوط، فتكونالسعادة في تحصيل العلم اليقيني ودلك بالتأمل العقلي وصولا إلى معرفةالعلة الأولى والحق الول والإستمداد من علمه السرمدي المحكم المحيط بكلشيء، فيعرف الحق ويتبع بيقين ويعرف الباطل فيجتنب بيقين. السعادة والوجدان يتفقالمتصوفة والفلاسفة أن السعادة في معرفة الحق، غير أنهم لايرون العقل أهلالهذه المهمة،فليست الحدود والأقيسة العقلية بقادرة على إدراك نورالحقوجلاله اللامتناهي. ومن هنا كان الإلهام والإشراق سبيلا السعادةيحصلان في القلب لاالعقل، لأن القلب أشرف اجزاء الإنسان شبيه بمرآة إداصقلت وجليت صارت قابلة لتلقي نور الحق ، وذلك لايتأتى إلا بالمجاهدةوالمكابدة والإقبال على الله تعالى والإنصراف عما دونه، من أجل التخلية ثمالتحلية. يقوا السهروردي – أحد أئمة التصوف - : « إذا تزكت النفس، انجلتمرآة القلب وانعكست فيه أنوار العظمة الإلاهية ولاح فيه جمال التوحيدوانجذبت أحداق البصيرة إلى مطالعة انوار الجلال الإلاهي ورؤية الكمالالأزلي " . وهذه مرتبة لايبلغها من بقي منشغلا بالجسد وشهواته، أو توقفعند العقل وتأملاته. وسواء تعلق الأمر بإبن عربي أو الحلاج او إبن الفارض او السهروردي،فإنسبيل التصوف إلى السعادة الحقة مقامات ومراتب وأحوال يتدرج فيها المتصوفحتى يصل إاى مرتبة الشيخ المطلق والعارف المحقق والمحبوب المعتق الذي وسعالحق قلبه فلم يعد يبالي او ينشغل بغيره. نخلص إلى أن السعادة المقصودة سعادة وجدانية تمس الإنسان بإعتباره روحا فيالمقام الول والأخير،ورغم اختلاف المتصوفة عن الفلاسفة، إلا ان موقفيهمايعكس تأثير الشريعة والدين من حيث نبذ اللذة الحسية البدنية والتركيز علىالروح والنفس. ولكن أليست هذه السعادة أحادية الجانبتتطلب مجهودا يتجاوزقدرة الإنسان وينفيه من حيث هو إنسان أي كلية مركبة من جسم وعقلووجدان..؟أليست هذه سعادة فوق مستوى الإنسان مثلما أن سعادة اللذة الحسيةدون مستوى الإنسان؟ السعادة إحساس فردي أم شأن جماعي قام حديثنا عن السعادة علىفرضية ضمنية مؤداها ان السعادة شأن فردي. وقد أن الأوان لمراجعة هذهالفرضية متسائلين: هل السعادة مجرد حالة نفسية وشعور فردي يحسه الإنسان فيأعماقه بعد تحقق هذا الشرط أو ذاك؟ أم أن للسعادة أيضا بعدا جماعيا؟إذا مااستثنينا مذهب الصوفية وتصورهم للسعادة كحالة فردية تستدعي خلوةبالنفس وانقطاعا عن الناس لأن " مخاطة الأغيار مجلبة الأكدار "، لوجدناأغلب فلاسفة الإسلام يتوقفون عند عنصر أو الجماعة أو المدينةكشرط لازملحصول سعادة الفرد: فالفارابي مثلا يرى أن الإنسان محتاج في حياته إلىالتعاون مع بني جنسه من أجل تحقيق حاجاته الضرورية وتحصيل السعادة، لأنهده الإخيرة متوقفة على حسن تدبير الفرد لنفسه وحسن التدبير المدنيللجماعة، والمقصود بحسن التدبير المدني توزع الأعمال بين الناس تبعالطبائعهم وإلا اختل النظام، تماما كالجسم الذي تتعاون أعضائه كل حسبطبيعته ومنزلته، لحفظ صحته وبقائه يخدم أدناها أعلاها. وكذلك فسعادةالجماعة تعني حصول الإنسجام والتعاون والنظام بين أفراد الجسم الإجتماعي.أما مسكويه فيرى أنه لما كانت السعادة متوقفة على تحقق الإنسان لكمالهالنظري والعملي، ولما كان هذا الأخير يفيد تدبير الأفعال طلبا للفضائلالأخلاقية، فلاغنى عن الجماعة لحصول السعادة، لسبب بسيط هو أن فضائل النفسلاتتمظهر إلا بمخالطة الناس ومعاشرتهم، عكس مايعتقد أهل الولاية والعرفانمن المتصوفة والزهاد ممن يختارون العزلة والخلوة: فمن لم يخالط الناسويساكنهم في المدن والجماعات كيف تظهر فيه العفة أو النجدة أو السخاء أوالعدالة؟ | |
|