mouchmabir1 منتدى الابداع و التميز
عدد الرسائل : 785 نقاط التميز : 500 عارضة الطاقة : نقاط : 820 السٌّمعَة : 4 تاريخ التسجيل : 24/09/2008
| موضوع: التفكير الرياضي بين البداهة و تعدد مجالات الصدق- الجزء الثاني- الجمعة 26 سبتمبر 2008, 05:07 | |
| أ قدم لكم الجزء الثاني و الأخير في هذىا العمل المتواضع و لكم جزيل الشكر على المرور:
هكذا إذن نشأت ما سيسمى بأزمة الأسس التي أحسن بلورتها المؤرخ و العالم الرياضي هنري بوانكاريه .إضافة إلى بروز هذه الهندسات نشير إلى رغبة العلماء في معرفة طبيعة الرياضيات التي كنا نعتقد أنها لا نقاش فيها ثابتة غير متغيرة و لكن أزمة الأسس أبرزت لنا أن مثل هذه البديهيات ليست سوى فرضيات و من هنا أعلن بوانكاريه عن بداية النهاية لزمن سيطرة البداهة.
لقد عمل بوانكاريه على بيان هذه المسألة من خلال بحثه في تحديد طبيعة الأوليات الرياضية و التي افترض إما أنها ذات طبيعة عقلية أو ذات طبيعة تجريبية أو أنها مجرد فرضيات فماهي طبيعة الأوليات الرياضية؟
إذا كانت الأوليات ذات طبيعة عقلية فهذا يعني أنها كما يراها كانط تركيبية قبلية تركيبية لأنها لا تلتجئ إلى تمثلات حسية و قبلية لأنها لا تستمد من التجربة.
يدحض بوانكاريه هذا الموقف مبينا انه لو كانت الأوليات الرياضية قبلية عندها يجب أن نسلم بأن المسلمة الخامسة صحيحة لا يطالها الشك و بذلك تستبعد كل قضية أو مسلمة مخالفة و نعتبرها ضرورة خاطئة فكيف يكون الأمر إذن أمام بروز الهندسات التي تتمتع بنفس مساحة الصدق التي كانت تتمتع بها الهندسة الاقليدية؟ و إذا نفينا أو استبعدنا أن تكون الأوليات أن تكون ذات طابع عقلاني ألا يمكن أن تكون ذات طابع تجريبي؟
يعتبر جون ستيورات ميل أن الأوليات الرياضية هي ذات طبيعة تجريبية نظرا لقيام العلوم على التجربة و اعتمادها على المنهج الاستقرائي و ما الرياضيات إلا علما من العلوم شأنه شأنها فقط يتميز بالطابع الشمولي لموضوعها فإلى أي مدى يصح القول بأن الأوليات الرياضية ذات طبيعة تجريبية؟
يرى بوانكاريه أن الأوليات الرياضية ليست ذات طبيعة تجريبية لان الرياضيات لا تهتم بالأجسام الطبيعية بل بخصائص الأجسام أي صورة الجسم فالرياضي لا يقيم استدلالات على شكل طبيعي دائري أو مثلث طبيعي بل على صورة هذه الأجسام و لو افترضنا أن الرياضيات علم تجريبي سيكون من غير الممكن تصورها كعلم صحيح لقيامها على صفات أجسام طبيعية متغيرة و تصبح بذلك قابلة لمراجعة مستمرة من هنا ماهي طبيعة الأوليات الرياضية إذا لم تتأسس على العقل و لا على التجربة؟
يرى بوانكاريه أن الأوليات الرياضية هي مجرد مواضعات أي جملة من الفرضيات الممكنة التي نتواضع عليها و نختارها من بين فرضيات تكون هي أكثر منطقية فهي فرضية من إنتاج الخيال يدعمها الذهن و الصياغة المنطقية. و لا نهتم فيها إلا بالصرامة الداخلية أي أن تكون العلاقات بين حدودها و قضاياها خالية من التناقض و شرط صدقها الوحيد هو الصرامة الداخلية.
فالرياضي له كامل الحرية في اختيار الفرضيات التي يحددها و غير مقيد سوى بتجنب الوقوع في تناقض.من هنا كان المنهج الرياضي المنهج الفرضي الاستنتاجي ذلك أن الرياضي ينطلق من فرضيات تعتبر مقدمات للنتائج.
هل أن هذه الأزمة علامة عقم أم أنها بداية ظهور نتائج ايجابية ساهمت في تجديد الفكر العلمي الرياضي؟
يقول توماس كوهن: " إن الأزمات شرط ضروري و تمهيدي لظهور نظريات علمية جديدة" .
من أول نتائج أزمة الأسس تغير نظرة الرياضي المعاصر للمبادئ الرياضية إذ يرى بوانكاريه في " العلم و الفرضية" أن الرياضي التقليدي ينظر إلى الرياضيات من خلال مفهوم البداهة في حين يتخذ الرياضي المعاصر من المبادئ الرياضية مجرد فرضيات فالبناء الرياضي لم يعد يتأسس على جملة من البديهيات الواضحة بذاتها بل أصبح يقوم على فرضيات يطلق عليها المواضعات و هي جملة المبادئ التي لا تكون صادقة بذاتها و إنما نتواضع عليها فبداهتها ليست فطرية بل هي افتراضية تواضعية. و هكذا فان معيار البداهة و الصدق لم يعد هو المحدد بل أصبح معيار الصرامة و الملائمة.الصرامة الداخلية و تعني خلو البناء من أي تناقض و الملائمة التي تعني ملائمة هذا البناء للواقع الطبيعي و لخصائص الأجسام الطبيعية.
لقد أصبحنا أمام تعدد الصدق في مجال الرياضيات إذ أن ظهور الهندسات اللاإقليدية لن يؤدي إلى تجاوز الهندسة الاقليدية ذلك أن كل هذه الهندسات تلتقي و تشترك في الصدق. و إذا كنا لا نستطيع التمييز بين هذه الهندسات وفق معيار الصدق فانه يمكن التمييز بينها وفق معيار الملائمة ذلك أن الهندسة الاقليدية أكثر ملائمة من الهندسات الأخرى لخلوها من التعقيد و لبساطتها و قربها من المعطيات الحسية.
إضافة إلى ما سبق نضيف ظهور المنهج الاكسيومي الذي تم فيه الانتقال من دراسة الكائن الرياضي مجسما في الأعداد و الأشكال الهندسية إلى دراسة البنية أو مجموع العلاقات بين العناصر و من مزايا المنهج الاكسيومي تنظيم المعلومات و المعارف تنظيما محكما و إرجاعها إلى مجموعة قليلة من المبادئ و استعمال الرموز بدل الكائنات الرياضية و الأعداد بغض النظر عن محتوى هذه الرموز و هو أداة تفتح أمام الفكر جانب التجريد و تفسح أمامه إمكانية الانتقال من نظرية مرتبطة بالمشخص إلى نظرية مصاغة صياغة رمزية صورية كما يمكننا من الاقتصاد في المجهود الفكري و ذلك بجمع عدة نظريات في نظرية واحدة .لقد أصبح المهم معه في قضية من القضايا الرياضية هو الدور الذي تلعبه هذه الفرضية ضمن نسق رياضي معين و ليس ما تتمتع به من وضوح و تميز. يقول باشلار: " فالدور الذي أصبح الكائن الرياضي يلعبه صار أهم من طبيعته كما أصبحت الماهية تؤكد في نفس الوقت مع العلاقة و تعاصرها".
| |
|